فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الأَنصارى: الخوف هو الانخلاع عن طمأْنينة الأَمن بمطالعة الخَبر يعنى الخروج من سكون الأَمن باستحضار ما أَخبر اللهُ به من الوعد والوعيد.
وأَمّا التخويف من الله فهو الحَثُّ على التحرُّز.
وعلى ذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} ونهى الله تعالى عن مخافة الشيطان والمبالاة بتخويفه، فقال: {إِنَّمَا ذالِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} أي لا تأْتمروا للشيطان وأْتمروا لله تعالى.
ويقال تخوّفناهم أي تنقَّضاهم تنقُّصا اقتضاه الخوف منهم.
وقوله: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي} فخوفه منهم أَلاَّ يراعوا الشريعة ولا يحفظوا نظام الدّين، لا أَن يرثوا ماله كما ظنَّه بعض الجهلة.
فالقُنْيات الدّنيويّة أَخسُّ عند الأَنبياءِ من أَن يُشفقوا عليها.
والخيفة: الحالة التي عليها الإِنسان من الخوف.
قال تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى} واستعمل استعمال الخوف.
قال تعالى: {وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} وتخصيصُ لفظِ الخيفة تنبيه أَنَّ الخوف منهم حالة لازمة لا تفارقهم.
والتخوّف: ظهور الخوف من الإِنسان.
قال تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ}.
وقد ورد في القرآن الخوف على خمسة وجوه:
الأَوّل: بمعنى القتل والهزيمة {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ} {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ} أي القتل.
الثَّانى: بمعنى الحرب والقتال {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} أي إِذا انجلى الحرب {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} أي الحرب.
الثالث: بمعنى العلم والدّراية {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا} أي عِلم {إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} أي يعلما {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى} أي علمتم.
الرّابع: بمعنى النقص {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} أي تنقُّص.
الخامس: بعنى الرُّعب والخشية من العذاب والعقوبة {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}.
وفى مواضع كثيرة قُرِن الخوف في القرآن بلا النَّافية وبلا النَّاهية، نحو: {لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} {لاَ تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا} {لاَ تَخَفْ أنك أَنتَ الأَعْلَى} {وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ} {لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} {أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ أنك مِنَ الآمِنِينَ} {لاَّ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى} {وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} {فَلاَ يَخَافُ بَخْسًا وَلاَ رَهَقًا} {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} {أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}.
الإشارة في تسليط دواعي الشيطان على قلوب الأولياء صدق فرارهم إلى الله؛ كالصبيِّ الذي يُخوَّف بشيء يفزع الصبيان، فإذا خاف لم يهتدِ إلى غير أمه، فإذا أتى إليها آوَتْه إلى نفسها، وضمَّتهُ إلى نَحْرِها، وألصقَتْ بِخَدِّه خدَّها. كذلك العبد إذا صدق في ابتهاله إلى الله، ورجوعه إليه عن مخالفته، آواه إلى كنف قربته، وتداركه بحسن لطفه. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنَّمَا ذلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ}.
إنها صرخة الشيطان الذي يخوِّف أولياءه، ويَصحُّ أن يصرخ الشيطان صرخته وهو يتمثل في صورة بشر، ويصح أن ينزغ الشيطان بصرخته لواحد من البشر فيصرخُ هذا الإنسان بنزغ الشيطان له {إِنَّمَا ذالِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ}.
وعندما نقرأ القرآن بدقة صفائية إيمانية فلابد أن نفهم عن القرآن بعمق، فمن هم أولياء الشيطان؟ أولياء الشيطان في هذا الموقف، إما كفّار قريش، وإما المنافقون أو هما معا. و{أَوْلِيَاءَهُ} هم أحبابه الذين ينصرون فكرته.
كأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يُبلّغنا: إنما ذلكم الشيطان الذي قال: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، هذا الشيطان إنما يخوف أولياءه.
وللوهلة الأولى نجد أن الشيطان مُفترض فيه أن يخوّف أعداءه. ونحن هنا أمام شيطان ينزغ بعبارة التخويف، فمن الذي يخاف وممن يخاف؟
المفروض أن يُخيف الشيطانُ أعداءه، هذا هو المنطق.
فنحن في حياتنا العادية نقول: خوّفت فلانًا من فلان، أو خوفت فلانًا فلانًا إذن فالشيطان يحاول هنا أن يتسلط على المؤمنين ويخوفهم من أوليائه الكفار والمنافقين، ونعرف في اللغة أن هناك في بعض المواقف يمكننا أن نحذف حرف الجر ونصل الجملة، ونُسمّيه مفعولًا منه. مثال ذلك قول الحق: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف: 155].
فموسى عليه السلام اختار من قومه سبعين رجلًا.
وعلى ذلك نقرأ قول الحق: {إِنَّمَا ذالِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} ونفهم منها؛ أن ذلكم الشيطان يخوِّفكم أنتم من أوليائه، لأن حرف الجر في الآية الكريمة محذوف، ويعاضد هذا ويقويه قراءة ابن عباس وابن مسعود: يخوفكم أولياءه، وينبه الحق المؤمنين ألاّ يخافوا من أولياء الشيطان فيقول: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ}.
وهذا يوضح لنا أن الشيطان إنما أراد أن يُخوّف المؤمنين من أوليائه وهم المنافقون والكافرون. وبعض المفسرين قال: {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} المقصود بهم أن الشيطان يخوّف أولياءه حتى يَجبنوا من القتال، فنزغ فيهم أنهم إن خرجوا للقتال فقد يموتون ولكن إن جاز ذلك القول على المنافقين الذين لم يخرجوا مع الرسول لملاقاة المشركين فكيف يجوز ذلك على الصنف الثاني من أوليائه وهم الكفار؟ إن الكفار قد خرجوا فعلا لقتال المؤمنين. ونفهم من قول الحق: {فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} أن أولياء الشيطان ليسوا هم الخائفين ولكنهم هم المخوِّفون: {إِنَّمَا ذالِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ}.
فالحق سبحانه يطلب من المؤمنين أن يصنعوا معادلة ومقارنة، أيخافون أولياء الشيطان، أم يخافون الله؟ ولابد أن يصلوا إلى الخوف من الله القادر على دحر أولياء الشيطان.
ومن بعد ذلك يقول الحق سبحانه: {وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئًا...}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}
أخرج ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحمراء الأسد، وقد أجمع أبو سفيان بالرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقالوا: رجعنا قبل أن نستأصلهم، لَنَكُرَّنَّ على بقيتهم. فبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في أصحابه يطلبهم، فثنى ذلك أبا سفيان وأصحابه ومر ركب من عبد القيس فقال لهم أبو سفيان: بلغوا محمدًا أنا قد أجمعنا الرجعة الى أصحابه لنستأصلهم. فلما مر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد أخبروه بالذي قال أبو سفيان؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه {حسبنا الله ونعم الوكيل} فأنزل الله في ذلك {الذين استجابوا لله والرسول....} الآيات.
وأخرج موسى بن عقبة في مغازيه والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر المسلمين لموعد أبي سفيان بدرًا، فاحتمل الشيطان أولياءه من الناس، فمشوا في الناس يخوفونهم وقالوا: قد أخبرنا أن قد جمعوا لكم من الناس مثل الليل، يرجون أن يواقعوكم فينتهبوكم، فالحذر الحذر.... فعصم الله المسلمين من تخويف الشيطان، فاستجابوا لله ورسوله وخرجوا ببضائع لهم وقالوا: إن لقينا أبا سفيان فهو الذي خرجنا له، وإن لم نلقه ابتعنا بضائعنا. فكان بدر متجرًا يوافي كل عام، فانطلقوا حتى أتوا موسم بدر، فقضوا منه حاجتهم، وأخلف أبو سفيان الموعد فلم يخرج هو ولا أصحابه، ومر عليهم ابن حمام فقال: من هؤلاء؟ قالوا: رسول الله وأصحابه ينتظرون أبا سفيان ومن معه من قريش. فقدم على قريش فأخبرهم، فأرعب أبو سفيان ورجع إلى مكة، وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بنعمة من الله وفضل، فكانت تلك الغزوة تدعى غزوة جيش السويق، وكانت في شعبان سنة ثلاث.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال إن الله قذف في قلب أبي سفيان الرعب يوم أحد بعد الذي كان منه، فرجع إلى مكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفًا، وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب، وكانت وقعة أحد في شوّال، وكان التجار يقدمون المدينة في ذي القعدة، فينزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة، وأنهم قدموا بعد وقعة أحد، وكان أصاب المؤمنين القرح واشتكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واشتد عليهم الذي أصابهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب الناس لينطلقوا معه وقال: إنما ترتحلون الآن فتأتون الحج ولا تقدرون على مثلها حتى عام مقبل.
فجاء الشيطان فخوف أولياءه فقال: {إن الناس قد جمعوا لكم} فأبى الناس أن يتبعوه فقال: إني ذاهب وإن لم يتبعني أحد. فانتدب معه أبو بكر، وعمر، وعلي، وعثمان، والزبير، وسعد، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبو عبيدة بن الجراح؛ في سبعين رجلًا، فساروا في طلب أبي سفيان، فطلبوه حتى بلغوا الصفراء، فأنزل الله: {الذين استجابوا لله والرسول...} الآية.
وأخرج النسائي وابن أبي حاتم والطبراني بسند صحيح من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: لما رجع المشركون عن أحد قالوا: لا محمدًا قتلتم، ولا الكواعب أردفتم. بئسما صنعتم ارجعوا. فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فندب المسلمين فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد؛ أو بئر أبي عنبة، شك سفيان فقال المشركون: نرجع قابل. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت تعد غزوة. فأنزل الله: {الذين استجابوا لله والرسول...} الآية. وقد كان أبو سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم: موعدكم موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا، فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة. فأتوه فلم يجدوا به أحد وتسوقوا. فأنزل الله: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل...} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر الصغرى وبهم الكلوم، خرجوا لموعد أبي سفيان فمر بهم أعرابي، ثم مر بأبي سفيان وأصحابه وهو يقول:
ونفرت من رفقتي محمد ** وعجوة منثورة كالعنجد

فتلقاه أبو سفيان فقال: ويلك ما تقول....؟! فقال: محمد وأصحابه تركتهم ببدر الصغرى فقال أبو سفيان: يقولون ويصدقون، ونقول ولا نصدق وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا من الأعراب وانقلبوا؟! قال عكرمة: ففيهم أنزلت هذه الآية: {الذين استجابوا لله والرسول...} إلى قوله: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال إن أبا سفيان وأصحابه أصابوا من المسلمين ما أصابوا ورجعوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان قد رجع وقد قذف الله في قلبه الرعب فمن ينتدب في طلبه؟ فقام النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فتبعوهم، فبلغ أبا سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم يطلبه، فلقي عيرًا من التجار فقال: ردوا محمدًا ولكم من الجعل كذا وكذا... وأخبروهم أني قد جمعت لهم جموعًا، وإني راجع إليهم. فجاء التجار فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حسبنا الله. فأنزل الله: {الذين استجابوا لله والرسول....} الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: أخبرت أن أبا سفيان لما راح هو وأصحابه يوم أحد منقلبين قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم: إنهم عامدون إلى المدينة يا رسول الله. فقال: إن ركبوا الخيل وتركوا الأثقال فهم عامدوها، وإن جلسوا على الأثقال وتركوا الخيل فقد أرعبهم الله فليسوا بعامديها. فركبوا الأثقال. ثم ندب أناسًا يتبعوهم ليروا أن بهم قوّة، فاتبعوهم ليلتين أو ثلاثًا، فنزلت {الذين استجابوا لله والرسول...} الآية.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عائشة في قوله: {الذين استجابوا لله والرسول....} الآية. قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر، لما أصاب نبي الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد انصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا فقال: من يرجع في أثرهم؟ فانتدب منهم سبعون رجلًا. فيهم أبو بكر والزبير، فخرجوا في آثار القوم فسمعوا بهم، فانصرفوا بنعمة من الله وفضل. قال: لم يلقوا عدوًّا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: نزلت هذه الآية فينا ثمانية عشر رجلًا {الذين استجابوا لله والرسول...} الآية.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال: كان يوم أحد السبت للنصف من شوّال، فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوّال أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو، وأذن مؤذنه أن لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس، فكلمه جابر عن عبد الله فقال: يا رسول الله إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع وقال: يا بني أنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن، ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي فتخلف على أخواتك فتخلفت عليهن. فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معه. وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعيبًا للعدوّ ليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوّة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم من عدوهم.
وأخرج ابن إسحاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان أن رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الأشهل كان شهد أحدًا قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا. أنا وأخ لي فرجعنا جريحين، فلما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو قلت لأخي، أو قال لي: تفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ما لنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل.